09 - 05 - 2025

عاصفة بوح| ووقعنا فى فخ الصحراء

عاصفة بوح| ووقعنا فى فخ الصحراء

كانت كارثة علينا بكل المقاييس.. بكل ما تحمل الكلمة من معانى مباشرة وخفية وملتوية أثرت بالسلب على مظاهر حياتنا وثقافتنا وتقاليدنا .. على نظرتنا لأنفسنا وهويتنا، على علاقاتنا الإنسانية وممارسة حياتنا الاجتماعية، على استمتاعنا بالفنون بمجملها وفن السينما والدراما على وجه الخصوص، على شكل تديننا، على ممارستنا لشعائرنا الدينية الجميلة الوسطية العفوية المصرية الاصيلة في بلدنا التى منحت التوحيد للعالم وقالت برب واحد قبل نزول الاديان.

 أما عن وضع المرأة، فلن اقول حدث ولا حرج، فلا أتذكر فى قاموسى اللغوى ولا الصحفى عبارات يمكن أن تصف الزلزال الذى أصاب المرأة والاحتقار والدونية التى أصابت نظرة المجتمع إليها وإلى دورها الإنسانى فى الحياة، بل وصل الأمر إلى تدنى نظرتها لنفسها واقناعها أنها لا تساوى فى الحياة إلا كونها ماعونا لشهوة الرجل، وخادمة بلا أجر لأولادها وتفاصيل كثيرة سوف آتى لها عند تناول ما أصاب المصريين من تلك الهجمة الصحراوية حتى قبل الانهيار السياسى الذى أصاب وطننا، بحيث أصبحنا مفعولا بنا من دويلات ساعدناها على أن تمشى (تاتا وخطى العتبة) أخذا بيدها لمعالم الدنيا الحديثة 

وإليكم الأخبار بالتفصيل بعد الموجز السالف ذكره

جاءت السبعينات بتلك الكارثة.. عندما هب أناس كثيرون موجهين قبلتهم الى السعودية للعمل بعدما عزت الفرص فى مصر، إثر مفاجأة الرئيس السادات لها بانفتاح السداح المداح، وتغيرت القيم الاقتصادية ومعها بالضرورة القيم الاجتماعية من انهيار لقيمة العمل والإنتاج إلى قيم الفهلوة وحلق حوش والاستيراد بدون التصدير، وشيوع ممارسات القيم المادية والمظهرية، ومن ثم هاجر من لم تمنحه بلده الفرص فى العمل الجاد واحترام العلم الذى أصبح يكال بالباذنجان وشيوع المحسوبية، وأشياء كثيرة غالبيتنا عاصرها ومر بها أو سمع عنها ورأى نتائجها، ووجدوا أن الفرصة الوحيدة هى البحث عن عمل فى بلاد البترول لتوفير الحياة الرغدة، التى لم يستطيعون توفيرها فى بلد قال يوما ما رئيسها: "اللى مش حيقدر يعمل فلوس فى عهدى مش حايقدر يعملها فى حياته أبدا".

ومن ثم يا سادة يا كرام .. هب كل من استطاع من أصحاب الشهادات  إلى السفر لبلاد النفط،  للمساهمة فى نهضتها من تعليم الى طب وهندسة، مجتمع بالكامل ذهب،  لينقل بلدا بأكملها إلى أبواب الحداثة والحضارة،  وفى االمقابل سقطوا فى فخ الفكر الوهابى الذى نسق مع الجماعات الاسلامية فى مصر بمباركة السادات ليستخدمهم للقضاء على الناصريين والشيوعيين، فسقط المجتمع كله فى الداخل والخارج فى قبضة التطرف والغلو الدينى!

ثم بدأت عودة المصريين محملين بالأجهزة الكهربائية، ومعها بالتساوى بضائع الفكر الدينى الموظف من الأجهزة الأمنية والأجهزة التى تدعى الشرعية، والكلام باسم الله ورسوله، ليغرقوا المصريين فى حقبة سوداء استمرت حتى سقوط  الاخوان فى الثلاثين من يونيو!

لنتذكر  الهجمة المنظمة لتحجيب سيدات مصر بالكامل كإعلان منظم عن الهوية الدينية والسياسية للإسلام السياسى رغم أن شيوخ الازهر الشريف وعلمائه الثقات لم يحجبوا نساءهم، ولم نتذكر أنه تمت دعوة المجتمع للتركيز على ملابس المسلمين، إنما ركزوا أكثر على القيم الدينية وأن الاسلام دين معاملة وأخلاق كريمة، بناء على دعوة الرسول "إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق".. ذلك الدين كما فهمه المجنمع المصرى وكما مارسه بحس أخلاقى وفهم حقيقى لمعانى القران، خوف حقيقى من غضبه سبحانه ورغبة فى طاعته، وكانت الأخلاق سائدة والدين محفوظ قبل هجمة شيوخ الفضائيات، ليصبحوا عملاء للدولار والدينار، ويتم تهجين المجتمع المصرى لصالح الفكر الوهابى، الذى انقلبوا عليه الآن باعتراف أميرهم الذى أذاع فى فيديو رآه كل الناس أن نشر الفكر الوهابى جاء بناء على طلب الحلفاء لمحاربة الشيوعية، عدو أمريكا الأول، قبل أن يصبح الإسلام هو العدو الأول، عندما وصل التطرف والإرهاب إلى ديارهم، الدب الذى قتل صاحبه عن عمد وليس عن حب!

بدات غزوة الغلو تحصد غنائمها، الهجوم على الفن ورعاية اعتزال الفنانات اللواتى عدن الآن بكل صلافة يقولون، بعدما شهروا بالمجتمع، أن الحجاب حجاب القلب وأن الله لا ينظر لصوركم إنما لقلوبكم، وكله بإشارة من ولى النعم!

الفن حرام والغناء حرام والفنون التشكيلية رجس من عمل الشيطان، و بدأت دروشة، أتصور أنها مقصودة، حتى لا يخرج المسلمون على حكامهم الظلمة، بل شاعت المقولة الشهيرة للسلفيين: إن الخروج على الحاكم الظالم حرام شرعا، حتى لو ضرب ظهرك بالسياط وأخذ مالك، نعم يا مؤمن، هكذا قالوها صراحة .. كله باسم الدولارات أو باسم السياسة والمصالح!

اجتماعيا، كانت أم الكوارث، انهارت الأسرة المصرية باستفحال ظاهرة الأب الغائب فى بلد النفط، تاركا الزوجة بكل احتياجاتها المعنوية والجسدية نهبا للوحدة، والأولاد الذين يتربون بعيدا عن وجود الأب بحمايته ومشاركته فى التربية، إنما أصبح الأب عبارة عن بنك، يصرف على الرفاهيات وعندما يأتى زائرا يجد نفسه غريبا، يتمنون سرعة رحيله, هو أيضا مع الكثيرين, انشأوا أسرا بديلة فى المهجر، وبدات غزوة سنة الزوجة الثانية التى روج لها شيوخ الفضائيات ولم نسمع منهم أن الله قال: ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، إنما وجدنا من ينشر أنها سنة محببة، تساهم فى حل مشكلة العنوسة التى تسببوا فيها بالسياسات الاقتصادية الفاشلة والفاسدة، ولم يذكروا مرة واحدة أن من السنن المحببة مساعدة الشباب في الزواج من شابة واحدة حتى يكمل نصف دينه!

خداع فى خداع ولي لمعانى النصوص لإرضاء الحكام وشهوات الرجال في آن واحد. 

المأساة الحقيقية فى نظري أنهم أقنعوا المرأة المصرية، حفيدة نفرتيتى وحتشبسوت اللتين حكمتا مصر فى عهد عظمتها التى لم تتكرر، أنهن لا يساوين شيئا، لا عقل ولا دين وربما اقنعوهن بما قيل فى  عصور الظلام فى الغرب "هل المرأة إنسانة من الأساس؟ أم نوع من المخلوقات  الغبية؟ فخلصوا إلى أنها إنسانة، ولكن بلا روح ومن ثم بلا حقوق البتة!

هل ترون التاريخ يكرر نفسه؟ ولأن النساء تكاسلن عن قراءة دينهن برغبة حقيقية فى الفهم، وليعرفن أن الله لا يفرق بين الناس إلا بالتقوى، وأن لهن مثل الذى عليهن بالمعروف، وأشياء كثيرة تؤكد المساواة فيما يجب المساواة فيه، وأوقعهن تكاسلهن أسيرات للفقه الوهابى والتعلم الشفهي، وللأسف تساوين فى ذلك، فى الريف والحضر وبين متعلمات وأميات، تسونامى من الجهل والتطرف، مستنقع من الفتاوى الشاذة، وكانت النتيجة أنهن أصبحن أكبر عدو لأنفسهن، وأخرجن جيلا امتهن كل حقوق اكتسبتها أمهاتهن وجداتهن تنفيذا لأوامر المتطرفين والإرهابيين، الذين أعادوا فى العراق عصر بيع الجوارى متجاهلين عن عمد حقوقا جاء بها الرحمن فى قرآنه قبل أن يتلاعب به أصحاب المصالح والشهوات!

الآن، آن الأوان أن نفيق لأنفسنا ونعود لمصر الحضارة، ولتديننا الوسطى الأصيل والسليم، وكما جاء به رسولنا الكريم، وليس استجابة لدعاوى سياسية ورغبة فى تغيير معالم دولة لأسباب نجهلها ولا تهمنا، إنما يهمنا أن تعود مصر أبية وحرة ومستقلة بعيدا عن حقبة صحراوية تحاول أن تفرض سيطرتها على مصر .. أم الدنيا التى كانت، ونتمنى عودتها!
 -------------

بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة